كنت أنظر في الجموع الحاشدة من منظور تاريخي و في خناق الزحام نسيت نفسي تماما ، و فقدت هويتي ، و لم أعد أعرف من أنا .. هأنذا قد مت أنا الآخر .. و هذا ابني يطوف و يذكرني و هو يطوف ، ثم يموت ذات يوم و يصبح هو الآخر ذكرى .. كانت لحظة روحية شديدة التوهج فقدت فيها إحساسي بذاتي تماما ، و غبت عن نفسي و امتلأت إدراكا بأنه لا أحد موجود حقا سوى الله .. و تذكرت السطر الأول من قصة الخلق .
في البدء كان الله و لا شيء معه .
و في الختام يكون و لا شيء بعده .
هو الأول و الآخر .
هو ..
نعم هو و لا سواه .
كانت لحظة من المحو الكامل لكل شيء بما في ذلك نفسي ذاتها ، في مقابل ملء مطلق لموجود واحد مطلق هو الله.. و بالرغم من الإحساس بالغياب فإنه كان إحساسا في الوقت ذاته بالحضور .. الحضور الشامل المهيمن المالئ لكل ذرة من الشعور .. حضور ماذا .. ؟
و أحار في وصف تلك اللحظة و لا أجد الألفاظ و لا العبارات و أكتفي بأنها أعمق ما عشت من لحظات .
Dr. Mostafa Mahmoud | كتاب / الطريق إلى الكعبة .